سجل بياناتك الان
أسباب تفشي ظاهرة غسل الأموال
يجب أن يكون معلوماً من البداية أننا وفي نطاق هذا المحور لن نبحث في أسباب أو مصادر كسب المال الحرام، الذي هو المحل للجرائم التابعة والمتعلقة بغسل الأموال غير المشروعة، وإنما سوف نركز جل اهتمامنا على أسباب تفشي ظاهرة غسل المال الحرام، وبداية نقول:
إن الجريمة المنظّمة قد أصبحت وبصفة عامة ـ والجرائم المرتبطة بالمخدرات بصفة خاصة ـ تشكل تحدياً خطيراً للدولة، بل والمجتمع الدولي كله، وتركز منظمات الجريمة المنظمة أنشطتها على مجالات الجرائم التي تتوقع الحصول من ورائها على مكاسب طائلة بصرف النظر عن مدى مشروعيتها، إذن فالقوة الحافزة وراء الجريمة المنظمة هي تحقيق أقصى المكاسب.(24)
وإذا كانت القوانين الوطنية لكل الدول تسعى جاهدة إلى معرفة هذه المكاسب وتمييزها ومصادرتها لحرمان المجرمين من عائدات جرائمهم، وتعجيزهم عن تمويل ارتكاب المزيد من هذه الجرائم، فإنه وتحسباً لذلك يلجأ مجرمو الجريمة المنظمة إلى غسل العائدات التي يحققونها من أنشطتهم الإجرامية غير المشروعة، لطمس المصدر الحقيقي لهذه العائدات وإدخالها من خلال قنوات أخرى إلى الدورة الاقتصادية والمالية المشروعة. (25)، وهم بما يملكون من أموال طائلة قادرون على شراء كل شئ بما في ذلك الذمم والضمائر الإنسانية، فضلاً عن الأموال العينية الأخرى.
وهم يسلكون إلى ذلك مسالك شتى ويستخدمون أدوات متنوعة منها على سبيل المثال: خدمات الأنشطة التجارية والمالية المشروعة التي تنهض بها المؤسسات المالية بكافة قطاعاتها (سوق الأوراق المالية ـ قطاع البنوك ـ قطاع التأمين) .
وقبيل خمس عشرة سنة تقريباً لم تكن الجرائم المرتبطة بغسل الأموال قد عرفت على المستوى العالمي، حيث لم يكن الهيروين والكوكايين والعقاقير الأخرى المخدرة قد أنتجت على المستوى التجاري، وحيث لم تكن منظمات الجريمة المنظمة قد أكملت هياكلها الإدارية والتنظيمية بعد، غير أن الأمر يختلف الآن، وحتماً سيختلف في الغد القريب عما هو عليه الآن، وهو ما يدعو إلى التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنظمة وما يرتبط بها من جرائم غسل الأموال الناتجة بغسل الأموال و نجد أن في طليعة هذه الأسباب ما يلي:
أ- الفساد المتمثل في تقاضي المسؤولين أو الموظفين لمبالغ مالية غير قانونية (رشاوى وإتاوات) وعمولات مقابل منح عملاء منظمات الغسيل الدولية تراخيص معينة في مجالات الاستثمار أو المباني أو الاستيراد أو التصدير
أو تملك العقارات أو إقامة المعارض.(26)
ب- الفساد المتمثل في تمكين المسؤولين في الدولة بعضهم لبعض أو لأفراد ذي صلة من الحصول على قروض بنكية كبيرة بغير ضمانات وتهريبها إلى الخارج بعد غسلها داخلياً.
ويمكن إضافة إلى ما سبق أن نقول :
إن عوامل عدة في بداية القرن الخامس عشر الهجري ونهاية القرن العشرين الميلادي، قد أدت دورها في تفشي ظاهرة غسل الأموال نذكر منها:
ولا شك أن التقدم في تقنيات الاتصال والانتقال لا سيما انتقال المعلومات له أثره البالغ في نمو ظاهرة غسيل الأموال وسرعة انتقالها عبر الدول بحيث أصبحت ظاهرة دولية لا يمكن إهمال عواقبها السلبية الخطيرة فضلاً عن إمكان إفلات القائمين بها من العقاب بسبب وجود ثغرات عديدة في أنظمة بعض الدول بحيث يقتضي الأمر وجوب تبادل المعلومات بين الدول إذا أريد ضبط مشروعية الكسب وانتقال الأموال بين دول العالم العامر.
وفضلاً عن ذلك فهناك مشكلة التكييف القانوني لظاهرة غسيل الأموال فقد تكون عملية غسيل الأموال مهماً تعددت مراحلها فعلاً من أفعال المساهمة الجنائية ، وقد تكون قانوناً صورة من صور إخفاء الأشياء المسروقة أو المتصلة من جريمة ولابد لتوفير الوقاية من عواقب هذه الجريمة وآثارها السلبية في المجتمع من ضبط التكييف القانوني لها وتحديد أركان الجريمة وصلتها بالجريمة السابقة والتي تحصل منها المال الذي يجري غسله عبر بلاد وأجهزة مختلفة. (27)
المرجع
غسل الأموال في النظم الوضعية رؤية إسلامية
أ.د محمد بن أحمد صالح الصالح أستاذ الدراسات العليا وعضو المجلس العلمي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
يمكنك مشاركة هذا المنشور
0 تعليقات