سجل بياناتك الان
مبدأ السيادة في ظل المتغيرات يشير ميثاق الأمم المتحدة إلى المساواة بين الدول ويعني هذا من الناحية القانونية الدولية المساواة في الحقوق والالتزامات بين الدول جميعها الأعضاء في المجتمع الدولي، وكانت سيادة الدولة من المبادئ الأساسية للقانون الدولي العام في القرن التاسع عشر، وتؤدي بمعناها التقليدي إلى عدم خضوع الدولة إلا للقواعد القانونية التي وافقت عليها بصورة مسبقة ومن ثم كانت السيادة بمعناها التقليدي، إلا أنه مع تطور الأوضاع العالمية في القرن العشرين عبر حربين عالميتين وحرب باردة، بدأت الغلبة للاتجاه الذي ينادي بتطويع سيادة الدولة المطلقة واخضاعها لقواعد القانون الدولي العام، حيث استمرت العولمة في الظهور ببطء شديد نتيجة التنازع المستمر بين الأيديولوجية الشيوعية والأيديولوجية الرأسمالية، إلى بداية نهاية الحرب الباردة، حيث بانتهاء تلك الحرب تحولت العولمة إلى ظاهرة عالمية. يشاع أن فكرة السيادة ظهرت منذ بروز الدولة الحديثة، وإذا كان البعض يرجع الفضل للمفكر الفرنسي جان بودان 1576م، في تفصيل وتحليل هذا المفهوم وإعطائه هذه الشهرة، يرى البعض أيضاً أن لهذه الفكرة جذور في الفكر الإسلامي. إن فكرة السيادة بمستوياتها المتعددة ظهرت منذ ظهور المجتمعات البشرية وكياناتها السياسية الأولى، إن السيادة واحدة في الدولة إذ لا توجد في الدولة الواحدة أكثر من سيادة واحدة، أي أنه لا يمكن فرض أية التزامات عليها من قبل إرادة أخرى غير إرادة الدولة نفسها وهذا ما يسمى وحدة السيادة، أي توجد في الدولة سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، بمعنى عدم قابلية سيادة الدولة للتجزئة مهما يكن التنظيم الدستوري أو الإداري لهذه الدولة، فلا مجال لغير سلطة عليا واحدة. فإذا كانت السلطة في الدولة التقليدية متمركزه كلياً وبشكل مطلق في شخص واحد وهو بمثابه الواهب للخيرات أو الحارم منها فإن دولة القانون أي الدولة العصرية الديمقراطية هي دوله يتم فيها توزيع السلطة واقتسامها لا على أفراد بل على مؤسسات: مؤسسات تشريعية، مؤسسات تنفيذية، مؤسسات قضائية. إن نظرية السيادة تعتبر من الركائز الهامة في دراسة النظم السياسية والدستورية، كما أنها لاقت العديد من الانتقادات التي ربطت بينها وبين الأصل التاريخي لنشأتها وارتباطها بالحكم المطلق واستغلال الأنظمة الدكتاتورية لها في تبرير استبدادها غير أن هذه الانتقادات لم تنل من تطورها ورسوخها سواء الداخلي والدولي. فالسيادة بوصفها دعوة سياسية عالية التميز تتعلق بالسيطرة الكلية المنفردة على أرض محددة ومجتمع خاضع لسلطة الدولة السياسية التي يقرها التنظيم الدولي ويعترف بوجودها لم تعد من الثوابت بل تحولت إلى قضية خلافية تخضع لوجهات النظر المختلفة ولعل القاء نظرة على مسرح السياسة الدولية يكشف مقدار التحديات التي تجابه السيادة الوطنية في عالم ما بعد الحرب الباردة لاسيما من قبل القوى المركزية وإن اختلفت مجالات التأثير في السيادة بين الدول حسب وضع الدولة وقوتها. وانطلاقاً من أن دولة القانون لا يمكن أن تكون غير الدولة الديمقراطية فنحن بحاجه إلى إرساء وخلق الثقافة الديمقراطية-التي تتيح السير ضمن ركب التطور الجاري في القرن الحادي والعشرين مثلما اتاحت لبلدان كثيرة الرقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعلمي فهي تضمن القضاء العادل المستقل وتضييق الخناق على التلاعب بشؤون المجتمع من قبل أفراد أو جماعات وذلك من خلال مؤسسات الرقابة على كل مفاصل الدولة.
السيادة الوطنية والعلاقات الدولية بقلم: أيمن هشام عزريل uzrail@hotmail.com المترقب للأحداث الصغيرة والكبيرة على السواء يجد أن الخلل والاضطراب في العلاقات الدولية لا بد وأن يقود حتماً لمواجهة شاملة وبعبارة أخرى أن يجد وجهاً للشبه بين الأحداث اليومية المتلاحقة وبين الفترة الزمنية التي سبقت كلاً من الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو كالذي يقول ما أشبه اليوم بالبارحة، فوجه الشبه في هذه الفترة في هذا العالم المضطرب الذي نعيش فيه ونتعايش معه نفس الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية والتي تشكلت خلال سنواتها وحتى مطلع الخمسينيات من القرن الماضي ملامح وأسس النظام الدولي الذي هيمن وسيطر في تلك الفترة حتى لقي ضربته القاضية وهي انهيار الاتحاد السوفيتي وزواله من الخريطة السياسية لعالم اليوم. ففي أعقاب الحرب التي يخرج منها منتصر ومهزوم لا بد وأن تترتب نتائج وأثار يبدو بعضها واضحاً للعيان ملموس الأثر فوري التحقق ويستغرق بعضها الآخر وقتاً، يطول أو يقصر، يحاول فيه الفرقاء، وغيرهم أن يضعوا أسساً جديدة للعلاقات فيما بينيهم وأن يثبتوا أوضاعاً إقليمية أو ينشئوا أوضاعاً جديدة بقدر ما تسمح الظروف وفوق هذا وذاك فإن العلاقات الاقتصادية وأوضاع التجارة العالمية تستحوذ اهتماماً خاصاً وتستأثر بجانب كبير من الجهود فالاقتصاد كان وما زال وسيبقى عصباً للسياسة. وقد أثبتت التجربة أن القوة الاقتصادية لا تقل عتواً عن القوة العسكرية وتجربة ألمانيا واليابان منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الأن هي خير شاهد ودليل وانطلاقاً من هذا نستطيع أن نفسر الكثير مما يدور حولنا في هذا العالم الذي يموج بالاضطرابات فهو في جانب يحاول خلق أوضاع إقليمية جديدة تتفق مع مصالح المنتصرين أو ترضي غيرهم ممن يرتبطون بهم، أو هي محاولات لتثبيت أوضاع إقليمية كانت أو ما زالت تفتقر إلى الشرعية، والكثير مما يدور يحمل في طياته ملامح الصراع لاقتصادي والتنافس على الأسواق والسعي لتأمين المواد الأولية، وإذا كان القانون الدولي قد واجه وما يزال يواجه معضلات وتحديات عصر ما، قد ارتبط القانون الدولي بهذه النظرة رؤية موازية ومماثلة إلى هيئة الأمم المتحدة حتى بدا أن الولايات المتحدة ترغب في تعديل ميثاق الأمم المتحدة واستبداله بميثاق جديد يناسب مقامها الحديث في إطار العلاقات الدولية، وتربعها منفردة كقوة كبرى وحيدة لا ينازعها فيه أحد حتى ولو كان من أقرب حلفائها الأوروبيين ناهيك عن المارد العملاق الأصفر. وتصاعد اتجاه يقول أن مبدأ سيادة الدولة يجب أن يفهم في حدود القانون الدولي القائم، وهو ذات المعنى الذي سبق أن اشارت إليه المحكمة الدائمة للعدل الدولي في أحد أحكامها عندما قررت أن على الدولة أن لا تتجاوز الحدود التي رسمها القانون لصلاحيتها، وأن تصرفاتها ضمن تلك الحدود تدخل في سيادتها ، وهو ما يعني أن السيادة فكرة قانونية محدودة ونابعة من القانون الدولي، وخاضعة له، وهو ما شجع على القول بأن مبدأ السيادة قد زال عنه طابعه العتيق المطلق وأن الدولة، في المجتمع الدولي المعاصر، قد أصبحت دولة قانون تلتزم بأحكام دولية حددها القانون الدولي وقواعده العامة، وقد تجاوز البعض هذا الحد إلى القول بأن السيادة في طريقها إلى زوال تحت تأثير المتغيرات الجديدة لتحل محلها فكرة المصلحة العالمية. إن المجتمع الدولي اعتاد أن ينصت اليوم لخطاب التهديد والوعيد الأمريكي الموجه إلى الدول بعينها، أذا لم تمتثل لأمور معينة، وهنا تكمن الخطورة الذي يحاول من خلالها أن يخترق ما بقي من السيادة الوطنية على اعتبار أن السيطرة الأمريكية على مقدرات العالم الراهن وإمساكها بزمام الأمور فيه يفترض بالضرورة إضعاف مبدأ السيادة الوطنية إلى أبعد مدى بحيث لا يكون هذا المبدأ عقبة أمام انسياب قانون دولي أمريكي جديد، يختلف في أسسه ومنطلقاته عن القانون الدولي الذي تواضع المجتمع الدولي على العمل بموجبه والانصياع لأحكامه هذا القانون لا يتوقف طويلاً أمام مبادئ السيادة الوطنية ولا يلقى باللامساواة بين الدول أو لوجوب الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية ولكنه يكثر الحديث عن حقوق الإنسان، وعن الدول التي لا تلتزم بتطبيق أحكام ومعايير حقوق الإنسان ووجوب إنزال العقاب بها وتغيير النظم الحاكمة فيها وهذا ما يدل على أن الأمم المتحدة هي ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية فقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة لإنشاء الأمم المتحدة. وأن ما جرى من أحداث الحادي عشر من أيلول وثم حرب أفغانستان والعدوان على العراق جاء لقلب الموقف الأمريكي ازاء الأمم المتحدة رأساً على عقب، ليظهر عجز الأمم المتحدة عجزاً كلياً عن الوقوف في وجه الطموح الأمريكي الجرف لتجاوزها الأمم المتحدة والعمل منفردة وخارج إطار الأمم المتحدة، مما بدا واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تلقى بالأمم المتحدة، فعلى الولايات المتحدة أن تعيد حساباتها على أسس أخرى مختلفة ملتزمة بالشرعية الدولية، والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي حتى لا تنساق مرغمة إلى هذا الموقف الذي يسجله لها تاريخ الأمم المتحدة في صفحاته الأشد سواداً.