سجل بياناتك الان
مشكلة الوقت يشتكي كثير من الناس في العصر الحاضر من مشكلة عدم توفر الوقت ، يقول ماكانزي ، وريتشارد (1991م ، ص263) مؤكدين ذلك " لا يوجد شخص لديه الوقت الكافي " ثم يتبعان ذلك بقولهما " لكن مع ذلك كل شخص لديه كل ما هو متوافر من هذا الوقت " متسألين ". إذن ، هل الوقت هو المشكلة أم أنك أنت المشكلة " . ولمساعدتك في الإجابة على السؤال السابق ، نطلب منك الإجابة على السؤال التالي : هل يمكن زيادة وقت اليوم والليلة عن أربع وعشرون ساعة ؟ وإجابتك عليه بالطبع سوف تكون : لا ، وبذلك تكون وصلت إلى أن المشكلة هي أنت ، أو بمعنى آخر أن المشكلة هي : ضعف استشعارك أحيانا لأهمية الوقت ، وعدم قدرتك أحياناً أخرى على إدارته بشكل جيد.
السمات والمبادئ الخاصة بالوقت الوقت مورد محدود : فأنت تستطيع أن تطلب الموافقة على زيادة المخصصات المالية للمستشفى أو للإدارة ، إلا أنك لا تستطيع أن تطلب زيادة في الوقت الخاص بالفصل الدراسي أو السنة الدراسية مثلاً. الوقت لا يمكن تعويضه: فقد يمكنك تعويض الأشخاص الذين يتركون العمل بالكلية أو القسم، كما يمكنك استبدال حاسبك الشخصي القديم بآخر حديث ، إلا أنه يستحيل عليك تعويض ما فاتك من وقت ، فكل دقيقة من كل ساعة تذهب لن تعود أبداً. يمتلك كل الناس قدراً متساوياً من الوقت: فالوقت الذى يمتلكه رئيس المؤسسة هـو ذات الوقت الذي يمتلكه المدير العام أو رئيس القسم أو حتى الموظف العادي، فالجميع لا يمتلك سوى 24 ساعة في اليوم و168 ساعة في الأسبوع و8760 ساعة في السنة. الفارق الوحيد هو كيف يستغل كل فرد الوقت المتاح له. الوقت لايمكن أن يتوقف: إن الوقت الذي يمر يصعب بل يستحيل استرجاعه أو وقفه. فهو لا ينتظر الإنسان حتى يستخدمه ، وبالتالي فإن بدائل التعامل مع الوقت هي أن تدعه يمر دون استخدام، أو تحاول استخدام كل دقيقة منه. الوقت لا يستأجر ولا يشترى : حقيقة أخرى، تعكس تحديات تعاملنا مع الوقت وهـى أن الإنسان أو المنظمات لا تستطيع أن تشترى أوقات الآخرين ، فمن منا يستطيع أن يمد في عمره على حساب النقص في أعمار الآخرين؟!.. إن إدارة الوقت هي إدارة النفس، فمن استطاع التحكم في نفسه يستطيع التحكم في وقته، وتنظيم الوقت لا يقيد الإنسان كما يتوهم البعض بل يطلقه من قيود الفوضى والإرتجال، ويمنحه المزيد من الوقت للراحة والإستجمام والتمتع بالحياة. هناك أشخاص يقولون: إنهم مشغولون دائماً وتجدهم يشكون من ضيق الوقت وكثرة الأعمال والإجهاد، وفي الحقيقة أنه مهما بلغ انشغال الإنسان فإنه يستطيع بشيء من التنظيم وحسن الإدارة لوقته وأعماله أن ينجز أكثر وأن يحصل على وقت فراغ أكبر، وأن يتخلص من ذلك الشعور السلبي بتراكم الواجبات والركض المستمر لإنجاز الأعمال في وقتها. إن كل عادة يحتاج تأسيسها إلى الجهد والتصميم، ولكن عادة تنظيم الوقت تحتاج إلى كثير من الجهد والتصميم، لأنها تتعلق بحياة الإنسان وسلوكه على مدار الساعة. بما أن تنظيم الوقت يؤدي إلى مزيد من الإنجاز ومزيد من المشاعر الإيجابية الناجمة عن هذا الإنجاز، فإن من صفات الإنسان الذكي عاطفياً أنه قادر على تنظيم وقته والتحكم فيه.
أهمية الوقت جاء ديننا العظيم ليعرفنا على أهمية الوقت وكيفية استغلاله الاستغلال الأمثل ، أليس هو مادة الحياة ومعنى الوجود ؟ يقول سبحانه وتعالى : ] وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [ العصر . ويذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم موقفين للإنسان يندم فيهما أشد الندم على ضياع الوقت حيث لا ينفع الندم ، الموقف الأول : ساعة الاحتضار وفيه يقول الكافر كما أخبر القرآن الكريم ] حَتَّى إِذَا جَـاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ أرجعوني(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ المؤمنون 99-100 ، والموقف الثاني : في الآخرة ، يقول تعالى : ] وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ [ يونس: 45 ، ] كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [ النازعات : 64 ، ] قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ(112)قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ(113)قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [ المؤمنون :112 – 114 . وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الوقت في حياة الإنسان المسلم ، حيث قال في الحديث الذي رواه مسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " رواه مسلم ، وحث صلى الله عليه وسلم في حديث آخر على اغتنام الوقت بقوله : " أغتنم خمساً قبل خمس " وذكر منها " فراغك قبل شغلك " ، وبين صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل " وذكر منها " عن عمره فيما أفناه … " رواه الترمذي وقد كانت المفاهيم العظيمة السابقة عن الوقت وأهميته ماثلة للعيان دوماً في حياة الناجحين من سلف هذه الأمة ، فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد عملي ) ، وروي عن الحسن البصري رحمه الله قوله : ( ما من يوم ينشق فجره إلا نادى مناد من قبل الحق : يا أبن آدم ، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد ، فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة ) ، ويقول الإمام أبن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه ( الجواب الكافي ) : " فالعارف لزم وقته ، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها ، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ، وان ضيعه لم يستدركه أبدا .. فوقت الإنسان عمره في الحقيقة ، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم ، وهو يمر أسرع من مر السحاب . فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته ، وان عاش فيه عاش عيش البهائم . فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة ، فموت هذا خير له من حياته " ص 157 .